قبل أن يكون عيدنا

*أمٌّ بلا عيد، أو عيد بلا أمٌّ:
من سمة العيد أنه يوحد المجتمع بكل فئاته العمرية والمعيشية والاجتماعية في كل مظاهره على شعور جمعي واحد هي الفرحة السرور على اختلاف في منبع هذه الفرحة ومصدرها، حتى أنك لتجد أقواما ليس لفرحتهم مصدر ولا مورد بل وجد الناس يفرحون ففرح معهم.
والفرحة تحتم عيش اللحظة الحاضرة وإلا فكل واحد من الفرحين لديه من المنغصات ما يقطع فرحته ويئدها لكن مصدر السعادة له أن ينعتق من واقعه كله ليشارك من حوله الفرحة.
إلا أن ثمة حالات يمر بها أناس من حولنا تستعصي على النسيان ولو مؤقتا ويأبى تذكرها وذكرياتها عليهم أن يعيشوا الفرحة، ومنها حالتان مع الأم.
الأولى: أمٌّ بلا عيد
حالة أم رؤوم كانت تعيش العيد  في لمّ شملٍ واكتمال عقدٍ مع زوجها وأبنائها فيحل عليها عيد جديد وهي على حال أخرى.
فهي إما فقدت زوجها وأب أولادها فتعيدها ذكريات العيد إلى من كان نور حياتهم وكيف كان عيدهم مع والدهم فما أن تنظر لأطفالها وهم لا يحسنون لبس العيد بعد من يساعدهم على تعديله ولبسه وهو يداعبهم ويلاعبهم، فإذا ما دخلت بهم على التجمعات العائلية رأت عليها أن توصلهم إلى مجمع الرجال فقد راح من كان يتراكضون معه يمينا وشمالا مبتهجين.
فتقول : عيدٌ بأي حال عدت ياعيد
وإما أمٌّ مفجوعة  بفقد أحد أبنائها وقرة عينها طفلا كان أو شابا كهلا فتعيد ذكريات العيد وابتسامات غائبة فتكفكف دموعا غائرة.
وإما أمّ مكلومة بغياب ابن لها بسجن أو غربة فتطيل النظر إلى باب لطالما وقف عنده مودعا لعله يدخل معه مرحبا.
الثانية: عيد بلا أم.
يا ألله مع أشد مرارة أن تحاول أن تعيش الفرحة وتتصنعها في أول عيد بعد فقد أمك!
فمهما كان عمرك،
ومهما علا منصبك.
ومهما كثر مالك.
ومهما اجتمع أبناؤك
لن تنسى لحظات العيد مع أمك ،
لن تسنى بسماتها ولا تكبيراتها ولا دعواتها ولا تدبيرها شؤون العيد ولا حظها لاجتماع الكبار ولا فرحتها بالصغار ولا حرصها على الوصل وإطعام الطعام وإكرام الضيف وكل مكرمة .
فالله ارحم موتانا وموتى المسلمين واخلف في عقبهم يارب العالمين.
ولربما تعجب قارئ وقال يا هذا ولم تنكأ جروحا ضامدة ؟! وتعيد ذكريات مهيجة ؟!
هلاّ تركت العباد يعيشون فرحتهم بعيدهم ؟
فأقول إن من أشد الغبن وأفدح الخسائر أننا لا ندرك النعم إلا بعد فواتها ، ولا نتلذذ اللذائذ إلا بعد فقدها ، ولا نحس بقيمة من حولنا إلا بعد رحيلهم فأحببت أن أقول وأنادي من ليست هذه حاله بل أنعم الله عليه بلمّ شمله بمن يحب  فجعل الله  له بنين شهودا، وأبوين حيّين أو أحدهما:
- يا هذا عش الفرحة بهم ومعهم ولهم.
- يا هذا دع عنك الكدر والنكد وحظ النفس وانعم بما حرم غيرك منه.
- يا هذا لا يحجبك العتب ولا بنيات الطريق أن تفرح العيد بمن حولك.
يا هذا إياك أن تحضر رحمتك وعفوك وتقديرك وإحساسك بقيمة من حولك حين يزورهم مفرق الجماعات.
لقد قال الله بعد أن بيّن أن من الأزواج والأولاد فتنة قال بعدها( وإن تعفوا وصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ) فأهل البيت من والد وولد هم أولى بالعفو والصفح والتلذذ بجمال خصالهم.
وأنادي كل من كانت هذه حالة ممن يمر عليه العيد وقد فقد حبيبا له من والد أوزوج أو ولد أن يحتسب أجر الصبر ومصاب الفقد وليخلف من فقده بخير وليتذكر ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزورجهم وذرياتهم ) فهناك اجتماع لا فرقة بعده وفرحة لا كدر فيها.
جمع الله شمل إخواننا وأحبابنا على خير .
الدكتور محمد السيف
د.محمد بن عبدالله السيف
مدير عام جمعية أسرة ببريدة

مشاركة على حسابات التواصل الاجتماعى