ما أحوجنا للحوار بين الزوجين
من خلال عملي في مجال الأسرة وتولي الإصلاح في بعض القضايا الزوجية اكتشفت أن كثيراً من الأسر والأزواج ينقصهم الحوار الهادف البناء الذي يقصد منه استقرار الأسرة وجمع شملها والابتعاد عن كل ما من شأنه تشتتها وتكدير صفوها ، فعندما تختلف طباع الزوجين و يتعثر كل منهما بينما يحاول أن يصل الآخر , ولا يجد إلا سبيل الصمت ليصبح اللغة بينهما , و إن أراد الحديث أن يطرق بابه فلا يكون إلا للمسائل الضرورية الخاصة بالأولاد و مشاكلهم .
يعتبر الحوار من أهم مقومات التواصل والتفاعل ، والتقارب الروحي والعاطفي بين الزوجين، وهو مفتاح التفاهم والانسجام، وهو كذلك القناة التي تعبر من خلالها المشاعر والأحاسيس الدافقة.. فعندما نتحاور نعبر عن شعورنا تجاه الآخر..
كما نعبر عن أنفسنا وأفكارنا وطموحاتنا مع شريك الحياة.. فالحوار ليس فقط لغة للتفاهم، وإنما هو بريد الحب بين الزوجين ومؤشر العلاقة العاطفية.
فقد تلجأ الزوجة لذلك الصمت الطويل عندما تشعر من زوجها غلظة الطبع , وكثيراَ ما تحاول كبت مشاعر داخلها فتفضل عدم الإفصاح بها فتخاف محاورته في أي موضوع لأنها تعلم نتيجة حوارها هذا ..
و على الجانب الآخر يجد الزوج من زوجته ضيقا في الحديث معها لشدة عصبيتها و كثرة عنادها و تصلبها لرأيها , فيفقد الطرفان المرونة في الحديث ،لذلك تجدهما يعيشان في بيت واحد و كلا منهما له حياته الخاصة , فيقوم كل واحد بدوره في صمت , ذلك الصمت الذى أذهب الجو الروحي للحياة الزوجية , فأصبحت هذه الحياة حينذاك أمام من حولهم ملونة بجميع ألوانها فيظن البعض أنهم من أسعد الأزواج لكن الذى يخفى عليهم أنها ألوان زائفة , شكل بغير معنى .
وقد وجه الله تعالي النصح لنبيه صلى الله عليه و سلم في كتابه حين قال سبحانه “و لو كنت فظاَ غليظ القلب لانفضوا من حولك ” , فأعطت لنا الآية الكريمة مثلاَ رائعاَ على أن الفرقة و البعد و الجفاء لا يأتي إلا من التطبع بالغلظة و حدة الطباع .
إنها نعمة الله تعالي علينا , فلم يترك لنا باباَ من الخير إلا وأعطى لنا كل سبل الوصول إليه , فجعل باب التحاور من الأشياء التي تجمع بين الزوجين وتوصلهما الى حياة يسودها الود والاحترام ،
فاهتم القرآن الكريم بالحوار , و فتح الطرق التي تؤدى لحسن التلقي و الاستجابة , احتراما لكرامة الإنسان وإعلاء لشأنه ،فالحوار ذو قيمة لابد أن يدركها كلاهما , خاصة و قد أتى القرآن الكريم ببعض صور للحوار ,ففي ( سورة البقرة )عندما اراد الله خلق آدم بدأ مع الملائكة بالحوار وتبادلت الملائكة مع ربها عز وجل الحوار وبعد علم الملائكة بحكمة الله تعالى في خلق هذا البشر أذعنوا واستسلموا لله وقالوا ( سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا إنك انت العليم الحكيم ) ومن ذلك حوار قصة صاحب الجنتين في سورة الكهف عندما استعلى أحدهما علي الآخر بكثرة زرعه وثماره , وهذا حوار في قصة موسى و العبد الصالح الخضر , وحوار إبراهيم عليه السلام حين همً بذبح ابنه قال تعالي ” فلما بلغ السعي قال يابني إني أرى في المنام أنى أذبحك فأنظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ” ولم يأخذ ابنه عنوةً ليذبحه .
والحوار الرائع الذي دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في الغار بينما المخاطر تحدق بهما ” إذ يقول لصاحبه لاتحزن إن الله معنا ”
ما أجمل حسن التلقي و ما أجمل الاستجابة رغم هول الموقف .
أما قدوتنا -صلى الله عليه وسلم - فضرب لنا المثل في حواره مع زوجاته , والحديث معهم وتخصيص الأوقات لذلك رغم ما كان عليه من المسئولية التي اختارها له الله عز و جل .
فلا شك أن الزوجين لفي أشد الحاجة للحوار , للخلاص من المعاناة النفسية التي تسببها لهما كبت المشاعر فلا ينبغي أن يكتفيا على حوار لحل الخلاف بينهما فحسب لكن لابد أن يهتما بالحوار في جميع شؤون حياتهما ويربيان أولادهما عليه
لذا علي الزوجين أن يتفننا في الطريقة المثلى للحوار لتجديد التواصل بينهما و يتبعا الأسلوب الفني للحوار عن طريق بعض النقاط :
1- سعة الصدر و حسن الاستماع , وعلي الآخر أن يتقبل و يحسن التلقي فإذا تعصب كل منهما لرأيه فلا يزيدهم الحوار إلا احتقانا و بعداَ و جفاء.
2- لابد للحوار أن يترك قيمته الايجابية إذا كان علي أسس صحيحة و سليمة مهما اختلفت بينهما الآراء و الأمزجة و الميول و الرغبات , لكن عليهما احترام كل منهما لرأى الآخر , فاختلاف الرأى لا يفسد للود قضية , لكن عليهما ان يعلما أن ذلك الاختلاف في الآراء له ضوابط أصلها عدم تجاوز هدي القرآن و السنة .
3- عدم إتباع طريقة الاستعلاء في الحوار , و تجنب الاستهزاء و السخرية و الإنتقاص من شأن الآخر , و لابد من انتقاء الكلمات التي يتلفظ بها كل منهما فينبغي ألا تكون جارحة .
4 - على الزوجين أن يعلما أنه ربما باستفزاز أحدهما الآخر قد يتطور الحوار و ينقلب إلي شجار وحينئذ ترتفع الأصوات و يكونا على مسمع من الأبناء ثم أهل البيت و الجيران , فلابد من التحلي بالهدوء أثنائه و خفض الصوت فإن رفع الصوت ليس من قوة الحجة وكلما كان الحوار أهدأ كان أعمق .
5- أيضا على الزوجين أثناء الحوار التحلي بالصبر وضبط النفس وكظم الغيظ فإذا أساء احدهما فلا مانع ولا تقليل من شأنه بالاعتذار.
6- أما إذا كان أحدهما غاضبا فعلى الآخر ألا يطلب منه في ذلك الحين أن يهدأ من روعه بل يكون جادا ويستمع له بهدوء .
7- على الطرفين التحلي بالعفو والتسامح للآخر ولا يلتقط منه عثرات وزلات وهفوات اللسان أثناء غضبه ولا يستعجل الرد خاصة أثناء الغضب بل عليه تأجيل الرد لمدة معينة حتي يهدأ ليكمل التحاور بشكل جيد فمن الخطأ الاستعجال حينذاك بالرد , ولا يتكلم إلا بالحسنى لقوله تعال ” وقولوا للناس حسنى ” وقوله تعالى ” وهدوا إلى الطيب من القول ” , فالكلام الطيب يلين القلوب ويخفف من شدة الاحتقان عند الحوار .
8- يجب عدم مقاطعة أحدهما عند الحوار فكم من مشاكل حلت بالاستماع فقط لذلك يجب الاستماع حتى النهاية وألا يعتقد أحدهما أن الحق معه وأن الآخر بعيدا عن الحق .
9- لا ينبغي أن يتبع أحدهما الحوار ويستخدمه كشكل من أشكال ما يطلق عليه حرية التعبير ويستخدم الطريقة الخارجة عن آداب الحوار كما استغله الكثير وفسر حرية الرأي بطريقته فافتقدنا أدب الحرية التي يتحدث عنها , واستغله البعض في هذا الأوان أسوأ استغلال بحجة حرية التعبير أو حرية الحوار , ولذلك وجب على المتحاور أو المعبر عن رأيه سواء أكان من الزوجين أو غيرهما أن يتصف بصدقه في الحوار , صدقه مع ربه سبحانه , ثم صدقه مع نفسه ومع الآخرين , ويعمل بما يقول حتى يتمتع بقيمته كقدوة صالحة .
( وينظر في ذلك موقع المسلم )
د . عبدالله بن صالح الربيش
أستاذ الثقافة الإسلامية المساعد بكليات عنيزه الأهلية
مدير مركز الإصلاح الأسري بجمعية أسرة ببريدة