مقال : أهلا بالمتطوعين
حينما نتحدث عن العمل التطوعي لابد أن نذكر موقف الإسلام من التطوع، حيث نجد في آيات وأحاديث كثيرة الحث على العمل الذي يخدم المجتمع، فالله عز وجل يؤكد أفضلية من يطعمون المساكين بقوله(فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ)ويأمرنا في آية أخرى بالتعاون على البر والتقوى بقوله (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)والعمل التطوعي هو أوضح صورة لهذا التعاون على مايفيد المجتمع ويعلي من شأنه، ويؤكد ذلك المعنى قوله تعالى في سورة النساء (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) حيث خيرية من يفعل الخير ويأمر به، بل أن السلوك الذي يقدمه الفرد كإماطة الأذى عن الطريق وهو عمل تطوعي يعد من الإيمان كما ذكر ذلك رسولنا صلى الله عليه وسلم بقوله (الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلُها قولُ لا إلهَ إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان).
وحينما نستعرض أحد تعريفات العمل التطوعي وأنه “بذل مالي أو عيني أو بدني أو فكري يقدمه المسلم عن رضا وقناعة، بدافع من دينه، بدون مقابل بقصد الإسهام في مصالح معتبرة شرعاً، يحتاج إليها قطاع من المسلمين” نستحضر على الفور قوله صلى الله عليه وسلم (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور يدخله على مسلم) حيث أفضلية من يقدمون الخير للآخرين ويدخلون السرور عليهم، مجسدين في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد كالحمى والسهر)، إذ أن جوهر العمل التطوعي هو تقديم خدمة يحتاج إليها آخر بدون مقابل، وتتمثل هذه الخدمة بأنشطة كثيرة يمكن أن يؤديها الشخص الراغب في التطوع، ومع كثرة المؤسسات الاجتماعية الرسمية والخيرية تبقى هناك حاجة كبرى لإشغالها من خلال متطوعين.
وحينما جاءت رؤية المملكة 2030 وضعت في أهم أولوياتها رفع أعداد المتطوعين في المملكة من 11 ألف متطوع إلى مليون متطوع بحلول عام 2030، وهذا جعل الحراك في تقديم العمل التطوعي يبدو أكثر تنظيما، وباتت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مسؤولة بشكل مباشر عن تفعيل الجهود المتناثرة وتحفيزها لزيادة أعداد المتطوعين، وتقديم الدعم الذي تحتاجه تلك الفرق والجهات نحو تحقيق الهدف الأهم من التطوع وهو خدمة المجتمع من خلال الطاقات والخبرات الكثيرة فيه.
العمل التطوعي هو حاجة مجتمعية، وقبل ذلك هو تطبيق عملي لتعاليم ديننا الحنيف، وشواهده كثيره سير الأنبياء وفي سيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الكرام، فمن يقدم عملا يخدم فيه غيره من واقع خبرته وتخصصه، سيجد من يخدمه هو بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عمل يحتاج إليه ولايتقنه، وحينما نذكر (التخصص والخبرة) في من يقدمون العمل التطوعي، لانعني حصره على خبرات وتخصصات معينة، بل أن المساهمة في العمل التطوعي متاحة لكل أفراد المجتمع، فكل شخص لديه مايستطيع أن يقدمه، وبأبسط الإمكانيات، وقد لايحتاج في ذلك إلى تخصص علمي أو دراسة تأهيلية، بقدر مايحتاج إلى رغبته في الاسهام في خدمة المجتمع، سواء بصورة فردية أو بصورة جماعية، وهناك صور كثيرة وقد يفعلها الإنسان دون شعور منه أن هذا عمل تطوعي، أو من خلال مؤسسات اجتماعية مصرح لها سيجد لديهم بكل تأكيد مايوافق ميوله وقدراته ليخدم فيه، واستعراض الفرص التطوعية التي أعلنت عنها جمعية أسرة مؤخرا يؤكد ذلك، حيث سيجد من يبحث عن مهام تطوعية فرصا تناسبه، وحتى لو لم يجد ورأى في نفسه قدرة على الخدمة في مجال معين غير مذكور، يمكن له أن يتقدم للجمعية ويعرض رغبته، وسيجد بكل تأكيد كل ترحيب وتوفير فرصة عمل تطوعي له وفق مايتوافق مع ميوله ورغباته.
السؤال المهم الذي قد يتبادر إلى ذهن المتطوع هو: ماذا أستفيد حينما أتطوع..؟ والإجابة بكل تأكيد لها أوجه عدة، ممكن أن نختصرها بالنقاط التالية:
1- ابتغاء الأجر من الله سبحانه وتعالى على الجهد والبذل الذي يقدمه المتطوع ف (من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه) والمتطوع بوقته وجهده ومتنازل عن المقابل ينطبق عليه الحديث السابق، فإذا كان لنا في (الابتسامة) صدقة، فكيف بجهد نقدمه لمستفيد يحتاج إليه؟.
2- إفادة المجتمع من العلم والخبرة التي وصل إليها الشخص فكما أن هناك من يزكي بماله هناك من يزكي بجهده وعطائه، في مجالات يحتاجها المجتمع وهو جزء منه وقد يحتاج من أسرته إلى ذات الخبرة التي يملكها من طريق آخر.
3- منح المختصين والخبراء فرصا لتطبيق النظريات العلمية التي درسوها أو درّسوها من خلال جهات تتعامل مباشرة مع أفراد المجتمع، فقد يختلف الطرح الأكاديمي والعلمي عن الممارسة في الواقع، ومع ماسيقدمه الخبير من خدمة للمستفيدين فإنه سيستفيد ترسيخ النظريات العلمية التي يتبناها.
4- الشعور بتقدير الذات وارتفاع مستوى الثقة بالنفس، حينما يشعر الإنسان أنه يقدم الخير للآخرين في مجال يفقهه ويبدع فيه.
5- بناء علاقات جديدة في مجتمع مختلف عن المجتمع الذي ألفه الشخص، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” ففي ممارسة العمل مخالطة للناس تحقق الخيرية التي أشار إليها رسولنا الكريم.
6- اكتساب خبرات ومهارات جديدة، لمنلايملكون خبرة أو ممارسة مسبقة، حيث يتيح لهم العمل التطوعي فرصة اكتساب مهارات العمل المنظم والانضواء تحت جهة رسمية ستفيده في تكوين ذاته وتراكم خبراته، وقد تكون هذه الممارسة سببا في نجاحه الوظيفي مستقبلا حينما
وإجمالا، فإن العمل التطوعي ليس ترفا ولا حاجة وقتية، بل هو استجابة حقيقة لتعاليم ديننا الإسلامي العظيم، وتأسٍ واضح بسيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وصاحبته رضوان الله عليهم، والتي مكنتهم من إعلاء شأن هذا الدين، وبكل تأكيد فإن وجود مجالات للتطوع في جمعية أسرة وجمعيات أخرى تعتبر فرصة لمن رغب أن يقدم شيئا لنفسه ولمجتمعه.
تركي بن منصور التركي
مدير وحدة التطوع بجمعية أسرة ببريدة