مرضى نفسيون يقدمون استشارات أسرية!
المتأمل للقوائم المعلنة مؤخرا بأسماء حملة الشهادات الوهمية يلاحظ أن بعضهم بدرجة (استشاري علاج أسري، استشاري علاقات زوجية، استشاري علاقات أسرية) وغيرها من التخصصات النادرة فضلا عن دعواهم الحصول على درجة الدكتوراه ووصفهم لأنفسهم بأنهم خبراء في مجال علاج المشكلات النفسية والاجتماعية وتطوير الذات. ومن البديهي أن من يحمل هذه الدرجات العلمية والمهنية العالية يفترض أن يكون على قدر من المصداقية ولا يرضى بخداع نفسه فضلا عن خداع الآخرين، ولكن هذا الافتراض لم يكن له نصيب من الصدق، وثبت مع الأسف أن معظمهم يحملون مؤهلات وهمية ومن الطبيعي أن يقدموا استشارات خاطئة تترك أثرا سلبيا بالغا على الفرد والأسرة والمجتمع.
من يغش نفسه ويزور المؤهلات ويخلع على نفسه الألقاب ويبيح لنفسه تقديم النصائح دون تأهيل وعدم مبالاة بالعواقب فهو يعاني من اختلال نفسي لا شك في ذلك. هؤلاء الذين أباحوا لأنفسهم ممارسة مهنة الإرشاد والتوجيه الاجتماعي وتقديم الاستشارات الأسرية نجد كل شخص منهم يحكم من خلال تجربته الفردية وخبرته القاصرة ويحولها إلى نظريات محسومة لا يتردد في تطبيقها وفرضها على الآخرين دون تفكير فيما ينتج عن ذلك، وهذا الأسلوب سيكون سببا في إفساد العلاقات الأسرية وتقديم نصائح مبنية على فهم قاصر، وقد يصل الحال إلى درجة التفريق بين الرجل وزوجته بسبب نصيحة قاصرة صدرت من شخص غير مؤهل تهدم معها بيت بكامله وتؤدي إلى تفكك الأسرة وترمي بالأطفال في عالم الضياع. البعض من هؤلاء يرى أن طلاق المرأة من زوجها نصيحة لا تحتاج من وقته الثمين أكثر من ثوان معدودة، حتى لو كانت سوف تؤدي إلى اغتيال المودة والرحمة وتؤدي إلى أبغض الحلال إلى الله ويقود ذلك إلى تشريد الأطفال والدفع بهم إلى عالم التشرد والانحراف.
الرغبة الكبيرة لدى أصحاب الشهادات الوهمية في اختيار مجال الاستشارات الأسرية ليست تصرفا عفويا، وإنما اختيار مقصود لاقتحام مجال بالغ الحساسية وقد يكون وراء ذلك عدة أسباب يأتي في مقدمتها حب الاستطلاع على الخصوصيات الأسرية واقتحام عالم الأسرار الأسرية، ولا أستبعد أن يكون السبب في ذلك هو البحث عن إشباع رغبة حب الاستطلاع على ما يدور في حياة الآخرين، إضافة إلى ذلك فإن الممارسة في هذا المجال لا تنكشف فيها الأخطاء بسهولة.
المشكلة الكبيرة التي تواجه مهنة الإرشاد والاستشارات الأسرية في المملكة العربية السعودية في وقتنا الحاضر تتمثل في تسلط غير المختصين وعدم وجود جهة مسؤولة عن تصنيف ومنح هذه الشهادات والتصنيفات. ولذلك تحول هذا المجال إلى فوضى ومرتع خصب لكل من يقرر أن يمنح نفسه درجة استشاري، هذه الفوضى دفعت المتخصصين والمؤهلين إلى الابتعاد وترك المجال لأصحاب المؤهلات الوهمية والخاسر الأكبر في هذا هو المجتمع السعودي في هذا العصر المتغير الذي يعاني من تفشي بعض المشكلات الاجتماعية والمشكلات النفسية والبطالة والفراغ والكبت والعنوسة وفي غياب كامل للحلول العقلانية والمنطقية لجميع هذه المشكلات، فيلجأ الناس إلى البحث عن حلول وهمية فيجدون من يبيعهم الوهم ويقدم لهم النصائح والاستشارات الوهمية. ولذلك تزداد الحاجة إلى خدمات إرشادية وعلاجية في النواحي الاجتماعية والنفسية مبنية على المنهج العلمي ويفترض أن يقدمها أشخاص متخصصون ويحملون مؤهلات تخصصية عالية نظرا للأهمية والحساسية البالغة لهذا النوع من الاستشارات.
الاستشارة الأسرية لا تقل أهمية عن الاستشارة الطبية، والمهتمون بالمشكلات الأسرية يعرفون أكثر من غيرهم أن الأسلوب المعمول به حاليا بعيد كل البعد عن المنهج العلمي السليم، والكثير من المشكلات الأسرية لا يمكن فهمها من خلال مكالمة هاتفية أو مداخلة مباشرة على الهوى، والاعتماد على التفسير الأحادي للمشكلات وتفسيرها دائما من منظور واحد فقط وهو المنظور الديني واستبعاد جميع العوامل ومحاولة حصر المشكلة وشرحها والتعامل معها من منظور محدود. هذه الطريقة حتى لو نجحت مع عدد قليل من المشكلات إلا أنها ليست الطريقة السليمة في التعامل مع الكثير من المشكلات الأسرية التي تزداد صعوبة وتعقيدا بمرور الوقت. فالأسلوب العلمي في تحليل المشكلات والقضايا الاجتماعية يجب أن يأخذ في الاعتبار جميع العناصر الدينية والثقافية والاجتماعية المؤثرة في المشكلة، إلا أن هذا المنهج مغيّب تماما وغير معترف به من قبل معظم هؤلاء المستشارين.