الزوجان ومعاول جدار الخصوصية
د.محمد بن عبدالله السيف
ثلاثة أشياء وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بأنها نعمة ، وأنها سكن ، وهي الليل والبيت والزوجة .
والجامع بين هذه الثلاث أنها للرجل طمأنينة وهدوء وراحة بعد امتداد وانتشار .
فالليل هدوء وراحة بعد كدّ النهار الذي جعله الله معاشا.
والبيت هدوء وراحة بعد السعي في مناكب الأرض.
والزوجة هدوء وراحة بعد ضوضاء الخلطة بفئام الناس.
ومن المعاني المشتركة بين هذه الثلاث الإنكفاء والستر التام عن الأعين وبها تتحقق الخصوصية التامة لأصحابها .
فكأن الله جعل للعبد حالين وجانبين لطبيعة حياته :
جانب مكشوف ، وجانب مكتوم مستور.
إلا أنه ومع افرازات الحضارة المدنية غيّر العباد السنة الإلهية في بعض مقتضيات هذه الثلاث ففقدت جمالها ورسالتها .
ومهما سوغّنا تغيّر الحال في ستر الليل ، فلن يستاغ تغير الحال في ستر البيوت !!
فللأسف تساهل بعض الأزواج والزوجات في هدم جدار الخصوصية لبيت الزوجية وهتك سترها بمعاول هدم حادّة ، منها :
- المعول الأول : هتك الخصوصية في نقل المشكلات الزوجية إلى خارج أسوارها بتشكي بعض الأزواج والزوجات لمن حوله وربما عرض بعض المشكلات الطبيعة بينه وبين زوجته أو بينها وبين زوجها بدعوى أن المتلقي عزيز وغالي ، وما علم أن هذا العزيز الغالي سينقله إلى عزيز وغالي آخر ، وهكذا دواليك، حتى تشاع حالهما . والمتقرر في عالم الزوجية أن المشكلة إذا انحصرت داخل أسوارها سهل تجاوزها وأصبحت كالمطب الهوائي الذي يعيد النشاط والحيوية ثم تواصل المركبة مسيرتها بأمان، بينما إذا خرجت إلى الآخرين – مهما كان نصحهم وقربهم – فربما صعب تجاوزها وربما بقيت آثارها والصورة الذهنية لدى الآخرين .
فنصيحتي للزوجين بالتزام الخصوصية التامة في المشكلات الزوجية ، فإن استمرت وانعكست آثارها، و غشيتهم الحيرة في الخروج من نفقها فعليهم بالناصح الأمين من المستشارين والمستشارات الأسريين وكلما كان أجنبيا منهم كان أولى .
- المعول الثاني: هتك الخصوصية في استعراض بعض الأزواج مظاهر الحب والغرام والإعجاب أمام الآخرين – مشاهدة أو صورة أو كتابة - وربما تقمص نغوجة الرومانسية في الميادين العامة بين الناس ، بشيء يلفت النظر ، وربما ألهب مشاعر المحرومين ، وأثار غيرتهم ، ولا تسل عن العواقب التي ربما لحقت بيت الزوجية بعد ذلك
ونصيحتي للزوجين : أن أشيعا الحب ، واصرخا بالغرام ، وتدثرا بالرومانسية لكن داخل أسوار بيت الزوجية ، فليس كل من يشاهدكم أو يقرأ لكم ينعم بما تنعمون به ، وكل ذي نعمة محسود، وكفى.
المعول الثالث: هتك الخصوصية من المركز الإعلامي .
قد لا أبالغ أن قلت إن بعض الزوجات – على وجه الخصوص - قامت بتدشين مركز إعلامي أو وكالة أنباء داخل بيتها تقوم من خلاله بنشر الأخبار صوتاً وصورة لكل العالمين ، فعرف الناس كل الناس بعيدهم وقريبهم وصديقهم وعدوهم كل تفاصيل حياتها الزوجية حتى دقائق المشاوير والأسفار والمناسبات والأكلات والضيوف وربما ملابسها ومقتنياتها أولاً بأول عبر وسائل التواصل الاجتماعي .
وكم سمعنا في مركز إسعاد للاستشارات ومركز الإصلاح الأسري بجمعية أسرة ببريدة من آهات الأزواج الشباب من هتك خصوصياتهم وانتشار تفاصيل حياتهم في العالم الخارجي جراء تهور الزوجة بتصوير كل ما صغر و كبر ونشره بين صديقاتها أو مجموعات الواتس أو السناب أو غيرها ، و لربما كان الزوج يحتفظ بخصوصيته ويكتم أمره عن أقرب الأقربين فإذا بزوجته قد نشرته حتى بين أبعد الأبعدين مما أوقعه في حرج شديد وربما جلب له اللوم والعتب ممن حوله ، كل ذلك بدعوى التفاخر والتباهي منها بأن لا تكون أقلّ منهم ، وأن تظهر دلاله لها، ومستوى معيشتها. زعمت، ولبيتها هدمت !!!
ويذكرون أنهم بذلوا النصح ثم المنع ثم التهديد فلا استجابة مما نتج عنه تصدعات في بيت الزوجية بسبب إصرار وعناد الزوجة في هذا الباب.
ونصيحتي للزوجة :
إنك متى ما جعلت سعادتك ترسمها شفاه الآخرين بإعجابهم بك وبحياتك فإنك جلبت التعاسة لك ولزوجك ، فاحرصي على أن ترسمي السعادة في شفتي زوجك، وإياك أن تحرمي نفسك وزوجك لحظات الأنس وطعم اللحظة الحاضرة لتنتظريها في كلمات الإعجاب أو فيسات خادعة .
أدام الله السعادة والوئام في بيوتنا ، وكفانا شر أنفسنا وشر الحاسدين والعائنين وشر فسقة الإنس والجن .