اضاءة حول المصلح والاصلاح
لا شك في أن الصُلح خير من الشقاق، والصلة أفضل من القطيعة ، والمودة أولى من الكراهية.
- من تصدى للإصلاح بين الناس فعليه أن يخلص نيته لله تعالى ، ولا ينشد ثناء الناس وشكرهم ؛ فإن هذه المهمة الجليلة مظنة للسؤدد والرفعة والثناء ، وقد يدخل الشيطان من خلالها على العبد فيفسد نيته ، والله تعالى يقول في الإصلاح بين الناس : {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ الله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
- أن يستعين بالله سبحانه على مهمته ، ويسأله تأليف قلبي صاحبيه ، و الانتهما لقبول مبادرته ؛ فإن القلوب بيده عز وجل يقلبها كيف يشاء ،وهو يقربها ويباعدها ، ولا عون له في صلحه إلا بالله تعالى
- عليه أن يتحرى العدل في صلحه ؛ فلا يميل لأحد الخصمين لقوته ونفوذه ، أو لإلحاحه وعناده ، فيظلم الآخر لحسابه ، فيتحول من مصلح إلى ظالم ، ولا سيما إذا ارتضاه الخصمان حكما بينهما فمال إلى أحدهما ، وقد أمر الله تعالى بالعدل بين الخصوم في قوله سبحانه {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الحجرات:9]
- أن يتسلح في إصلاحه بالعلم الشرعي ، أو سؤال أهل العلم ما يحتاج إلى سؤال ؛ فإن كان الخلاف على مال أو إرث أو أرض فلا بد أن يعرف حكم الشريعة في ذلك قبل أن يُقْدِم على الصلح ، وله أن يُقَرِّب بين الخصمين ، ويقنعهما بالصلح ، ثم يختار لهما حكما من أهل العلم يرضيانه. وإن كان الخلاف بين زوجين فلا بد أن يعلم بالحقوق الشرعية للزوجين ؛ ليتبين الظالم من المظلوم ، والمخطئ من المصيب ، فينبه الظالم على ظلمه ، ويدل المخطئ على خطئه.
- ومن فقه المصلح أن يختار الوقت المناسب للصلح ، فلا يبادر إلى الصلح عقب التشاتم والتعارك والتقاتل ، بل يتربص بقدر ما يسكن الخصمان ، ويعودان إلى رشدهما ، وتذهب سورة الغضب ، وتضعف دواعي الانتقام ، فيلقي بمبادرته إليهما.
- كما عليه أن يَجِدَّ في قطع الطريق على النمامين ونقلة الكلام الذين يعجبهم أن تسود البغضاء بين الناس ؛ فإنهم ينشطون في الأزمات لبث الشائعات ، ونقل الكلام ، فَيُحَذِّر الخصمين من الاستماع إلى أراجيفهم ، ويثبت لهما كذبهم ، وما يريدونه من الإفساد والوقيعة بينهما.
- وعليه أن يختار من الكلام أحسنه ، ويرقق قلبيهما ، ويبين لهما حقارة الدنيا وما فيها فلا تستحق أن يتعادى الإخوان من أجلها ، ولا أن تقطع القرابة بسببها ، ويذكرهما بالموت وما بعده من الحساب ، وعليه أن يعظهما بنصوص الكتاب والسنة فإنهما أعظم زاجر للمؤمن ، فيذكرهما بأن أعمالهما الصالحة موقوفة عن العرض على الله تعالى ، وأنه سبحانه يُنْظرُهما إلى أن يصطلحا ؛ كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم.
فإن كانت الخصومة بينهما قد أدت إلى قطيعة رحم بيَّن لهما عظيم ما وقعا فيه من القطيعة ، وأن الجنة لا يدخلها قاطع ، وإن تهاجرا بسبب خصومتهما ذكرهما بخطر هجر المسلم ، وأنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام . وإن كانت الخصومة بين زوجين بيَّن لكل واحد منهما حقوق الآخر عليه ، وذكرهما بقول الله تعالى {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35].
- فإن احتج أحد الخصمين بأنه نذر أن لا يتنازل ، أو حلف على أن لا يصالح ، وهذا يقع كثيرا بين الغرماء والمتخاصمين ، فيدعوه إلى أن يُكِّفرَ عن يمينه ، ويصالِحَ أخاه ، ويحتجُ عليه بقول الله تعالى {وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:224] قال ابن عباس رضي الله عنهما :
( هو الرجل يحلف أن لا يصل قرابته فجعل الله له مخرجا في التكفير ، وأمره أن لا يعتل بالله وليكفر عن يمينه)
- ومن سعى بإصلاح ذات البين فإنه يجب على الناس تأييده وتشجيعه بالقول والفعل ، ومعونته بما يحتاج من الجاه والمال ؛ فإن إصلاح ذات البين يعود على الجميع بالخير والمحبة والألفة ، كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع عامة بما يسود فيه من الأحقاد والضغائن والجرائم والانتقام.
- ومن سعى إليه أخوه بالإصلاح فليقبل منه ، وليعنه عليه ، وليكن خير الخصمين ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ….
أ/ نوال صالح عبد العزيز الدخيل
( مصلحة في وحدة الاصلاح الاسري التابعة لجمعية أسره )