إصلاح ذات البين 4
الإصلاح بين الناس واجب، قال الله تعالى: وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] وهذا أمرٌ لابد منه ، أصلحوا ما بينكم وبين إخوانكم ، أصلحوا بين النفوس، قربوا بينها، أزيلوا أسباب العداوة. والصلح يكون بين متغاضبين كالزوجين ، ويكون في الجراحات كالعفو على مال ، ويكون لقطع الخصومة ، كما إذا وقعت المزاحمة في الأملاك أو المشتركات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بذلك ، وقد دلَّ الكتاب والسنة على فضل الإصلاح بين الناس .
فضل الصلح بين الناس :
قال الله تعالى في فضل الإصلاح: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] فإذاً.. كثيرٌ من الناس الذين يتسارون ويتناجون ليس في نجواهم خير إلا من قام بالتناجي في الخير وإصلاح ذات البين، فإن هذا مأجور ونجواه مأجورٌ عليها، وقد قال الله تعالى في أجر المصلح بين الناس :وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114] وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : إصلاح ذات البين ؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا أقول : إنها تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين ) رواه الترمذي وأبو داود وإسناده على شرط الشيخين . ولعظم هذه المسألة جعلت الشريعة إثم الكذب منتفياً عمن يصلح بين الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يكذب من نمى بين اثنين ليصلح ) وفي رواية : ( ليس بالكاذب من أصلح بين الناس فقال خيراً أو نمى خيراً ) ومن أوجه ذلك أن يخبر بما علمه من الخير، ويسكت عما علمه من الشر، فلا ينقله ولا يبلغه ، وذهبت طائفةٌ من العلماء إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح ، و الاحوط أن يأتي بالتورية والتعريض .
إذا نقل خيراً أو سئل : هل قال فلانٌ فيّ كذا ؟ فنفى ذلك لم يكن كاذباً ، مع أن الكذب في الشريعة أمرٌ قبيحٌ جداً، لكن لما كانت مصلحة إصلاح ذات البين أعظم من مفسدة الكذب رخصت فيه الشريعة، ولم تجعل فيه إثماً على من فعله لأجل الإصلاح بين الناس.
الكذب في الإصلاح .
1. عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول التي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي [ بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وصلاح وبالتشديد الإفساد ] خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا ” [ رواه البخاري ]
2. قال بن شهاب : ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ” [ رواه البخاري ]
أعدل الصلح . قال بن القيم رحمه الله ” فالصلح الجائز بين المسلمين هو يعتمد فيه رضى الله سبحانه ورضى الخصمين ، فهذا أعدل الصلح وأحقه ، وهو يعتمد العلم والعدل ، فيكون المصلح عالما بالوقائع ، عارفا بالواجب ، قاصدا العدل ، فدرجة هذا أفضل من درجة الصائم القائم ” [ أعلام الموقعين 1 / 109 ـ 110 ]
أ / نوال صالح عبدالعزيز الدخيل
(( مصلحة في وحدة الاصلاح الاسري التابعة لجمعية أسره ))